أخبار عاجلة

التجربة الدستورية المغربية في ضوء دستور 2011

  نظمت مؤسسة القاسمي للتحليل السياسي والدراسات الإستراتيجية والمستقبلية وجامعة الحسن الأول وكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات ندوة وطنية تحت عنوان: “التجربة الدستورية المغربية في ضوء دستور 2011” وذلك يومه الخميس 18 ماي 2023 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا بالمدرج الرئيسي لكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول بسطات.

افتتح أشغال هذه الندوة الوطنية السيد نائب رئس جامعة الحسن الأول، وبعد أن اعتذر عن حضور السيد رئيس الجامعة لاعتبارات طارئة، رحب بالحضور وبضيوف الجامعة المحاضرين كما ثمن المجهودات المبذولة من قبل الدكتور القاسمي نائب مدير مختبرالدراسات القانونية والسياسية بكلية العلوم القانونية والسياسية لجامعة الحسن الأول.

ثم أخذت الكلمة الأستاذة حسناء كجي عميدة كلية العلوم قانونية والسياسية، التي رحبت بالحضور وبالأساتذة المتدخلين لإغناء محاور هذه الندوة الوطنية وشكرت اللجنة المنظمة من أساتذة وطلبة  وعلى رأسهم الأستاذ المصطفى القاسمي على اختياره لموضوع هذه الندوة ، معتبرة دستور 2011  الذي جعل من المغرب الاستثناء في المنطقة من خلال فصول الوثيقة الدستورية التي جاءت متقدمة بالمقارنة مع الدساتير السابقة والتي عملت على تكريس الجيل الثالث من الحقوق بالإضافة إلى الجيل الأول والثاني، كما كرست اللغة الأمازيغية والفصل بين السلط، وهو دستور متقدم يتميز بنظرة مستقبلية وببعد كوني إنساني يتجاوز اعتبارات اللحظة ليدخل  المغرب في سيرورة الإصلاحات من أجل تعزيز بناء المغرب الحديث و ترسيخ الديموقراطية.

وتدخل بعد ذلك مدير مختبر الدراسات القانونية والسياسية الذي نوه بهذه الندوة التي أشرف على تهيئها الدكتور المصطفى قاسمي نائب مدير المختبر ورئيس مؤسسة القاسمي للتحليل السياسي والدراسات الإستراتيجية والمستقبلية والسيد رئيس جامعة الحسن الاول والسيدة عميدة الكلية. واغتنم الفرصة ليعلن أمام الجمهور للتعريف بمؤلفه  الجديد ومجموعة من الباحثين من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس.

وفي كلمته الافتتاحية رحب الدكتور المصطفى القاسمي رئيس “مؤسسة القاسمي للتحليل السياسي والدراسات الإستراتيجية والمستقبلية”، ونائب مدير “مختبر العلوم القانونية والسياسية” بالضيوف المتدخلين الذين تكبدوا عناء السفر وبالطلبة الباحثين وبالحضور الكريم كل باسمه وصفته، وقد توجه بجزيل الشكر للسيد رئيس الجامعة وللسيدة عميدة الكلية اللذان قدما كل الدعم والمساندة من أجل إنجاح هذه الندوة الوطنية في جميع مراحلها التي تحمل عنوان التجربة الدستورية المغربية في ضوء دستور   2011، والتي تندرج في اطار القضايا الاستراتجية للمملكة المغربية مذكرا بسياق اختيار موضوع هذه الندوة الذي يأتي في إطار  سياق دولي وآخر وطني يتميز بوجود نوع من الفراغ فيما يخص مناقشة الوثيقة الدستورية، هذا النقاش الذي يظل منحصرا في الأوساط السياسة والمجتمع المدني بعيدا عن مدرجات الجامعة وعن المختبرات العلمية وبأن هذه النقاشات تظل مشوبة بالإيديولوجيا وبتأثيرات شبكات المصالح والأحزاب والنقابات، لذا ارتأت مؤسسة القاسمي والمختبر تنظيم هذه الندوة من أجل الوقوف على مدى قدرة دستور 2011 على استيعاب هذه المرحلة والمرحلة المقبلة.

وترأس أشغال هذه الندوة الوطنية الأستاذ سعيد جفري والتي أغنى محاورها نخبة من فقهاء القانون الدستوري وهم السادة الأساتذة:

-الدكتور المصطفى قاسيمي أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول سطات، رئس “مؤسسة القاسمي للتحليل السياسي والدراسات الإستراتيجية والمستقبلية”، مداخلة بعنوان: “إمارة المؤمنين في دستور 2011 بناء على الفصلين 41 و42”.

-الدكتور الشيخ محمد تقي الله ماء العينين، رئيس مؤسسة ماء العينين للتنمية والبحث العلمي، بالرباط مداخلة بعنوان “الدستور المغربي بين المفهوم النظري والتطبيق”

-الدكتور عبد الفتاح بلعمشي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، مداخلة بعنوان: السياسة الخارجية للمملكة من خلال مضمون دستور 2011.

-الدكتور المصطفى المريني أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس رئيس مركز الحوار المغربي العربي للأبحاث والدراسات.

-الأستاذ علال البصراوي نقيب هيئة المحامين بخريبكة مداخلة بعنوان: حدود التشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا في دستور 2011

  • ❖   افتتح الدكتور الشيخ محمد تقي الله ماء العينين، رئيس مؤسسة ماء العينين للتنمية والبحث العلمي، بالرباط مداخلة بعنوان “الدستور المغربي بين المفهوم النظري والتطبيق”، اعتبر دستور 2011 دستورا ثوريا ومتقدما فيه سمات الحضارة والتماسك بين الشعب وجميع الهيئات، ويضم تواثب مهمة يجب صقلها وتعميقها من طرف أجهزة الدولة، وبأن الملك ضامن لتطبيق الدستور وبأن تصوره للدستور يفوق بعقود تصور الحكومة التي يجب عليها أن تكون في مستوى تطلع وطموح جلالة الملك وبسط بعض العناصر التي يجب على السلطة التنفيذية الأخذ بها حتى تكون في مستوى تطلعات صاحب الجلالة:

وتكلم عن ضرورة توظيف الكفاءات سواء على مستوى المعرفي أو الأخلاقي أو المعنوي من رئيس جماعة إلى رئيس بلدية إلى رئيس جهة إلى الوزير.

كما أكد على المسؤولية الجسيمة الملقاة على الأحزاب والمنظمات والهيئات التي يجب أن تفرز نخبا في مستوى دستور 2011 بعيدا عن منطق المحسوبية والصداقة بل بمنطق الوطنية والرجل المناسب في المكان المناسب، مع التأكيد على أن المغرب يزخر بالكفاءات في شتى المجالات بما فيهم الفئات الشابة والتي يجب أن تعطى لها الفرصة باعتبارها من سمات تصور الملك للأمور؛

وتحدث عن غياب تصور واضح أو برامج تنموية للأحزاب السياسية بالرغم من تلقيها لدعم الدولة، كما أنها لا تقدم حصيلة برامجها؛ وضعف الأحزاب السياسية في تكوين الكفاءات السياسية والتي لها القدرة على تنزيل دستور 2011 سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛

وأكد على أن البرلمان لا يجب أن يدخله إلا من وجد نفسه قادرا على تمثيل الأمة وقادرا على طرح السؤال على الحكومة؛ كما أن المؤسسات الدستورية يجب أن تسير مع إرادة الشعب ويجب العمل على تأطير المجتمع المدني من طرف فعاليات مدنية

وأشار إلى أنه لابد من ثورة اجتماعية أنتروبولوجية من عمق الشعب ومحاسبة من يتحمل المسؤولية العمومية محاسبة حقيقة وليست محاسبة من أجل المحاسبة؛

وختم مداخلته بأن المغرب عظيم بملكه وشعبه وعبر على أنه في مستوى الحدث الدولي ويجب وضع رؤية متوسطة وبعيدة المدى والدفاع عنها؛ وبأن قضية الصحراء المغربية قد تطول وسيتم حلها في إطار تقوية الجبهة الداخلية والمسار الديموقراطي.

  • مداخلة الأستاذ بالعمشي والتي كانت بعنوان: “السياسة الخارجية للمملكة من خلال مضمون دستور 2011″، انطلق في مداخلته بتعريف للسياسة الخارجية باعتبارها ذلك البرنامج الذي تسطره الدولة في فعلها وتفاعلها مع الخارج، واعتبر دستور 2011 سار على نهج الدساتير السابقة بجعل السياسة الخارجية مجالا محفوظا لجلالة الملك وأن السياسة الخارجية موضوع سيادي يمارس فيه صانع القرار سيادة الدولة ويتخذ القرار بشكل حر وذلك بالأخذ بالاعتبار التوازنات الدولية. لكنه أشار إلى أن دستور 2011 مكن السلطة التنفيذية من تقديم تصور الحكومة للسياسة العامة للدولة بتقديم برنامجها أمام مجلسي البرلمان في مرحلة تنصيبها، وأن السياسة الخارجية هي جزء من السياسة العامة بمعنى أن الدستور يعطي صلاحيات واضحة لصاحب الجلالة في السياسة الخارجية، وللجهاز التنفيذي كذلك صلاحية وضع تصور لهذه السياسة الخارجية. ويشير إلى أنه هنا يمكن التمييز بين أمرين بين الوثيقة الدستورية التي تعطي هذه الصلاحيات والواقع الذي عرفته الحكومات المتعاقبة التي أحجمت عن الخوض في السياسة الخارجية، مما جعلنا أمام ممارسة لتعزيز المجال المحفوظ لجلالة الملك لصنع السياسة الخارجية.

وأشار إلى أن التوجه العام للسياسة الخارجية يظهر من خلال تصدير دستور 2011وذلك بتحديده للأبعاد التالية: المجال المغاربي ودعم أواصر الأخوة في المجال الإسلامي والانتصار إلى فكرة جنوب-جنوب والعمل على البعد الإفريقي محددا أولويات السياسة الخارجية للمملكة، كما أن دستور 2011 حسم في أهمية التصدير باعتباره جزءا لا يتجزأ من الدستور والذي يحدد المبادئ الضابطة للعلاقات الدولية وللقانون الدولي التي يلتزم بها دستور المملكة. ومن الناحية الواقعية نجد أن صنع السياسات الخارجية هي من صنع جلالة الملك بالرغم من أن دستور 2011 منح للجهاز التنفيذي صلاحية وضع تصور للسياسة الخارجية ولكن في الولايات المتعاقبة كان هناك نوع من استمرارية الاقتناع بأن السياسة الخارجية هي مجال محفوظ لجلالة الملك. وأضاف إلى أنه من خلال فصول الدستور 41 و49 و55 نجد أن المجالات التالية: المجال الديني والمجال العسكري ومجال السياسة الخارجية هي مجالات من اختصاص جلالة الملك.

وختم الأستاذ مداخلته بأن ضبط المجال الدولي يعرف الكثير من التعقيدات والكثير من المنافسة ولعل انضباط الجهاز التنفيذي للرؤية الملكية وجعل صنع قرار السياسة الخارجية بيد الملك من أجل توحيد الموقف والاتجاه يؤدي إلى نتائج ملموسة سواء الاقتصادية منها أو قضية وحدتنا الترابية.

  • استهل الدكتور المصطفى المريني أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس رئيس مركز الحوار المغربي العربي للأبحاث والدراسات، مداخلة بعنوان “رقابة القاضي الدستوري في ضوء دستور 2011”. مداخلته بالتأكيد على أهمية دستور 2011، الذي شكل تحولاً جوهرياً في مسلسل الإصلاحات الدستورية، وفي بناء دولة المؤسسات وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وبالنظر لسياق الدستور سيظل مرحلة تاريخية للتلاحم بين المؤسسة الملكية والشعب على غرار محطات تاريخية جسدت هكذا تلاحم وترجمت النبوغ المغربي. ومعلوم أنه وعلى اعتبار الدساتير السابقة، بدءاً من دستور 1962، أول دستور للمملكة بعد الاستقلال، مروراً بدساتير 1970 و1972 و1992، لنصل إلى دستور 1996، كانت بمثابة مراجعات الدستور وإن كانت جميعها قد ساهمت في تدعيم  البناء الدستوري وتطويره فمن المؤكد وبإجماع الباحثين في المجال الدستوري على أن دستور 2011 شكل طفرة وتغييرا مهما رسم معالمه الكبرى جلالة الملك في خطابه التاريخي ل 09 مارس 2011، فبالإضافة إلى الحفاظ على الثوابت الراسخة للأمة المغربية انفتح على التجارب الدستورية الرائدة مستلهما أفضل القيم والمعايير والمبادئ والآليات والمؤسسات لبناء نسق دستوري فعال جوهره فصل السلط واستقلالها وتوازنها وتعاونها وحرية وكرامة المواطن.

وعلاوة على التكريس الفعلي لاستقلال السلط والانفتاح على التراث الكوني للحقوق والحريات وذلك من خلال دسترة كافة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وتكريس حمايتها وضمان ممارستها. ومن أهم هذه الآليات تكريس ضمانة القضاء الدستوري حيث ارتقى بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية ذات اختصاصات واسعة كالبث في عدم دستورية القوانين، وصلاحية مراقبة الاتفاقيات الدولية التي تم دسترة سموها على التشريعات الوطنية وقوانين المملكة وهويتها. وتم التركيز على رقابة القاضي الدستوري لمراقبته للاتفاقيات الدولية وأثرها على الحريات والحقوق من خلال الفقرة الرابعة من الفصل 55 من الدستور بأن المصادقة على الاتفاقيات الدولية التي تضم بندا مخالفا للدستور لا تتم إلا بعد مراجعة الدستور على خلاف الدساتير السابقة التي لم تقر هذا الاختصاص سواء الغرفة الدستورية أو المجلس الدستوري. وتعتبر المعاهدات الدولية من اهم الوسائل التي تساهم في تنظيم العلاقات بين الدول في كافة الميادين والمجالات وقد عرفت في السنوات الأخيرة تطورا هائلا مما جعل من موضوع الرقابة عليها أهمية بالغة.

وقد عرف الاتفاقيات الدولية من خلال تعريف اتفاقية فيينا بشأن قانون الاتفاقيات بأنها “كل اتفاق مكتوب بين شخصين من أشخاص القانون الدولي يتم إبرامه وفق أحكام القانون الدولي كيف ما كان الاسم الذي يطلق عليه وذلك من أجل إحداث آثار قانونية”، وتخضع المعاهدات الدولية لإجراءات خاصة لإقرارها قبل أن تغدو أحكامها نهائية وتشكل مرحلة المصادقة أهم مرحلة. وقد ذكر بشروط الفصل 55 من الدستور وخصوصا الفقرة الثانية منه بأن الملك يوقع على المعاهدات ويصادق عليها غير أنه لا يصادق على معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو تتعلق بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، العامة أو الخاصة، إلا بعد الموافقة عليها بقانون. وأشار إلى أن الاختصاصات التي أسندت للبرلمان من أجل تمحيص الاتفاقيات الدولية تشكل طفرة نوعية في دستور 2011 وذلك بإخضاع المعاهدات الدولية التي تتعلق بالحقوق والحريات لمصادقة البرلمان.

وأضاف إلى أن المغرب وإن كان قد صادق على الكثير من المعاهدات الدولية إلا أن هناك اتفاقيات لم يصادق عليها بعد وأخرى قدم بشأنها تحفظات.

وأكد على أن المشرع الدستوري حاول أن يكرس وضوحا وقانونيا بين الالتزامات الدولية للمغرب وقانونه الداخلي من خلال جعل الاتفاقيات الدولية تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات ما تتطلبه تلك المصادقة. وفي هذا الإطار سار المشرع الدستوري إلى تكريس وحدة القانونين الداخلي والخارجي مع وضع شروط محددة تراعي قيم المملكة وهويتها. وميز في هذه الشروط بين الشروط الموضوعية والإجرائية كالمصادقة والنشر في الجريدة الرسمية وسمو الاتفاقيات الدولية دون أن تخرج على القيم والهوية الوطنية الراسخة وألا تخرج عن الدين الإسلامي.

وختم بأن المشرع الدستوري لم يحدد أي استثناء على المعاهدات الدولية التي تخضع لرقابة مجلس النواب وهو توجه ساير فيه التوجهات الدستورية المقارنة.

  • ركز الأستاذ علال البصراوي نقيب هيئة المحامين بخريبكة في مداخلته بعنوان: “حدود التشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا في دستور 2011” على نقطة وحيدة تثير اهتمامات الفاعلين في المجال الحقوقي لدستور 2011 وهي التي جاءت في التصدير بأن المملكة المغربية تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. وتجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.

وتساءل هل فعلا ماورد في الدستور يؤكد فعلا هذا السمو أم أن هناك حدود له؟، وأوضح بدوره على أن تصدير الدستور يشكل جزءا لا يتجزأ منه. فالمغرب اختار طواعية أن يكون عضوا وعنصرا فاعلا في المنظومة الدولية وأشار إلى أن الأساس القانوني والسياسي لهذه الفاعلية هي الاتفاقيات الدولية، وأن إشكال الاتفاقيات الدولية يمكن في المصادقة عليها، فعند المصادقة تجد الدولة نفسها أما م إكراهين الإكراه الأول الالتزام بتطبيق الاتفاقية والإكراه الثاني هو احترام تطبيق القانون الوطني الداخلي وخصوصا في حالة وجود بند بالاتفاقية الدولية يخالف التشريعات الوطنية. ويتجلى هذا الإشكال أمام القاضي الذي يجد نفسه أمام إكراه تطبيق  قانونين متعارضين هل يطبق القانون الداخلي أم يطبق بنود الاتفاقية الدولية التي صادق عليها المغرب وقد أعطى مثالا على ذلك في المادة 16 من الاتفاق العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن المرأة والرجل عند وصولهما سن البلوغ يقومان بالزواج  بدون قيود، هذه المادة تتعرض لتحفظات من طرف الدول المسلمة ومنها المغرب لأن قوانينها الداخلية  تنص على عدم إمكانية زواج المرأة المسلمة بغير المسلم، والقاضي يجد نفسه أمام هذا الإكراه ولتجاوزه يلجأ إلى ثلاث آليات للتوفيق في هذه الإشكالية : الآلية الأولى هي الإحالة على الاتفاقية، والآلية الثانية هي الإدماج إدماج تلك الاتفاقية في القانون الوطني، والآلية الثالثة هي الملاءمة أي تلائم الدولة بين نصها القانوني والاتفاقية التي وقعت عليها.

والملاءمة هي التي نص عليها دستور 2011 وتصبح بعض المصادقة على الاتفاقية تسمو على النصوص الوطنية، فإن القاضي عندما تطرح عليه النازلة في هذه الحالة يصبح ملزما بتطبيق الاتفاقية الدولية.

 وبين أن المشرع الدستوري متشبث بالحقوق والحريات كما هي متعارف عليها دوليا لكن المشكل يطرح في الشروط التي وضعا من أجل المصادقة على هذه الاتفاقيات بالرغم من التنصيص على مبدأ السمو، وقد حدد الدستور خمسة شروط معقدة كما هي في تصدير الدستور ونجد؛ 1. النشر في الجريدة الرسمية، 2. والمصادق عليها، 3. وألا تخالف المعاهدة الدستور، 4. وألا تخالف مقتضيات القوانين الوطنية، 5. وأن تكون في إطار الهوية الوطنية الراسخة وقد اعتبر عبارات الشرط الخامس واسعة وغير دقيقة وتساءل فما معنى الهوية؟ وما معنى الراسخة؟

وختم بأن المغرب اعترف بالاتفاقيات الدولية وجعلها تسمو على التشريعات الوطنية لكنه وضع لها شروط شبه مستحيلة ولرفع هذا اللبس فالمشرع الدستوري مدعو في المناسبة المقبلة لمراجعة الدستور أن يوضح أكثر ويرفع هذا اللبس.

  • واختتمت هذه المداخلات بمداخلة الدكتور المصطفى قاسيمي أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول سطات ورئيس “مؤسسة القاسمي للتحليل السياسي والدراسات الإستراتيجية والمستقبلية”، التي تمحورت حول “إمارة المؤمنين في دستور 2011 بناء على الفصلين 41 و42″، واستهل مداخلته بقراءة الفقرة الأولى والثانية والخامسة من الفصل 41 من الدستور “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر”. وأكد على أن هذا الفصل يحيل على إمارة المؤمنين بمعنى خليفة المسلمين في الأمة المغربية، وقد أصبحنا نتحدث اليوم على إمارة المؤمنين على المستوى العالمي سواء كانوا مسلمين أو يهودا أو مسيحيين فإمارة المؤمنين أصبح لها بعد دولي، وبان أساس إمارة المؤمنين هو “البيعة” التي يتم  تجديدها كل سنة بمناسبة عيد العرش، وقد أشار إلى أن الغرب لا يفهمون علاقة البيعة التي تربط الملك بالشعب بالرغم من أنهم يمارسونها وقد ضرب مثالا بالملكية في بريطانيا، التي تمت فيها البيعة للملك تشالز الثالث بنفس الطريقة المغربية وأكد على أن البيعة في بريطانيا لا تختلف عن البيعة عندنا، إلا أن البيعة في المغرب هي بيعة مقدسة تستمد أسسها من بيعة الرضوان التي بايع فيها المسلمون الرسول صلى الله عليه وسلم. فإمارة المؤمنين لا تحرص على الجانب الديني فقط بل تعمل على ممارسة السياسة فهناك اختصاص ديني وآخر دنيوي في إمارة المؤمنين فلا يمكن التمييز بينهما. وفي هذا الإطار يؤكد على أن إمارة المؤمنين بعد التنصيص عليها في الدستور أصبح لها مرجعية دستورية، وهنا عاب على العديد من الباحثين سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي الذين لا يستطيعون فهم اختصاصات إمارة المؤمنين وتأثروا بالأطروحة المركزية للغرب بتدخل الديني في السياسي خصوصا أولئك الذين تحدثوا على أن إمارة المؤمنين تتدخل في الجوانب السياسية ويجب فصل الدين عن الدولة وفصل الجانب الديني عن السياسي؛ أمثال جون واتر بوري الأمريكي لعدم فهم خصوصية المغرب وتاريخه، وأكد على أن هذا المزج بين الديني والسياسي هو الذي ساهم في استقرار المغرب والحفاظ على الهوية المغربية، وأشار إلى أن صلاحيات إمارة المؤمنين تكون في إطار أجهزة دستورية؛ فالمجلس العلمي الأعلى يتولى دراسة القضايا التي تعرض عليه وليس هناك أي استفراد بالسلطة الدينية أو السياسية.

وأضاف إلى أن المغرب لا يسير فقط بالمرجعية الدينية الإسلامية، بل هناك مرجعية حديثة مستمدة من القيم الكونية التي هي ملك للبشرية جمعاء، إذ انفتح المغرب على هذه القيم وضمنها في دستوره، وبالتالي جعل من المرجعية الحداثية تسير جنبا إلى جنب المرجعية الدينية في انصهار تام وأن المغاربة لا يلمسون هذا الاختلاف أو التمييز بين المرجعية الدينية والحداثية الدستورية، فالمشكلة مطروحة على فهم الغرب للنظام المغربي وليس على المستوى الداخلي، هذا الغرب الذي يحاول إضعاف الدولة المغربية لما تحققه من إنجازات على عدة مستويات، وأضاف إلى أننا لن نجد من يصفق لنا ونحن نتواجد في إفريقيا والشرق الأوسط، وعاب على البرلمان الأوروبي الذي يتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب في الوقت الذي نرى فيه أن احتواء الاحتجاجات في فرنسا لم ينضبط لحقوق الإنسان إذ استعمل فيها الضرب والاعتقال والتعسف.

وختم مداخلته بأنه لا يمكن البتة الفصل بين الفصلين 41 و42 من الدستور، بين إمارة المؤمنين والملك رئيس الدولة الحديثة، فالدستور يجعل هذين المفهومين جنبا إلى جنب وبشكل منصهر وبالتالي فليس هناك أي مشكل على المستوى الداخلي، فالمشكل مطروح على الغرب لعدم قدرته على فهم الخصوصية المغربية. واختتمت أشغال هذه الندوة بفتح باب المناقشة.

المقرر: المصطفى طلحاوي، باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول بسطات.

شاهد أيضاً

Deux tonnes et 540 kg de cannabis (Chira) saisis par les services de police de Khouribga. Quatre suspects arrêtés

En coordination avec la police de la ville de Oued-Zem, et sur la base d’informations …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *