الأديب والشاعر محمد محضار في حوار صحفي:

الأديب والشاعر محمد محضار: ابتليت بهمّ الكتابة منذ سنوات السبعينيات وما زلت إلى هذا اليوم أمارس شغبها….قال أن الصحافة الساخرة كانت أجمل محطات حياته الإبداعية ويحلم بكتابة رواية تستعيد ذاكرة خريبكة وإنسانها.
كان هذا الحوار مع الأديب والشاعر محمد محضار من بين المواد التي أعددناها للنشر قبل ثماني سنوات، ضمن عدد من مجلة أنباء الخريبكة التي كنت أصدرها، كان جاهزًا للطبع آنذاك. غير أن الأقدار الربانية شاءت أن تحول بيننا وبين ذلك، لأسباب صحية محضة
عرف تفاصيلها أديبنا الكبير والمقربون منا، فاضطررت حينها إلى التوقف عن الكتابة والنشر لما يقارب ثلاث سنوات.

ورغم مرور الزمن، ظل هذا الحوار محفوظًا في القلب قبل الأرشيف،  لما يحمله من قيمة أدبية وإنسانية خاصة، فهو شهادة
من أحد أبناء خريبكة البررة على مسار طويل من الإبداع والعطاء.

اليوم، ونحن نعيد نشره كما هو دون أي تعديل في منبر رقمي، نمنحه الحياة من جديد، عرفانًا بتجربة كاتب بصم المشهد الأدبي المحلي والوطني، وتقديرًا لكل كلمة حملها صدقًا وشغفًا ومحبة للمدينة وللكلمة الجميلة.”

{ في هذا الحوار الخاص، نفتح صفحات من الذاكرة الأدبية مع الكاتب والشاعر محمد محضار، أحد الأسماء التي بصمت المشهد الثقافي المغربي منذ سبعينيات القرن الماضي.
استطاع محضار أن يجمع بين حسّ الشاعر ورؤية القاص، وأن يعبّر من خلال أعماله عن الإنسان المغربي في أبعاده الوجودية والاجتماعية.

من خلال دواوينه ومجموعاته القصصية، رسم ملامح تجربة إبداعية صادقة تنبض بالانتماء إلى مدينة خريبكة التي شكّلت له فضاءً ملهماً وذاكرة حيّة. في هذا اللقاء، يتحدث الأديب عن بداياته الأولى، وعن علاقته بالكتابة، وعن رؤيته للتحولات التي يعرفها
المشهد الأدبي في ظل الثورة الرقمية، كما يعود بذاكرته إلى زمن الملاحق الثقافية والصحافة الساخرة التي كان أحد روّادها.

حوار صريح وشيّق، نقترب فيه من الإنسان كما من الأديب، ومن الرؤية كما من التجربة، في مسار حافل بالعطاء والإبداع.}

🖋️ الحوار:
عبد الله الفادي.

س: في مستهل هذا الحوار، كيف تقدم محمد محضار الإنسان والأديب للقراء؟

ج: محمد محضار من مواليد 1961م بمدينة خريبكة، أب لثلاث بنات: فاطمة الزهراء، إيمان، وسلمى. حصلت على تقاعد نسبي منذ سنتين من قطاع التعليم. أنا شاعر وقاص، ابتليت بهمّ الكتابة منذ سنوات السبعينيات، وما زلت إلى هذا اليوم أمارس شغبها الجميل دون كلل أو ملل، لأنني أعتبرها وسيلتي الوحيدة لمواجهة صقيع الحياة.

س: انطلقت علاقتك بالكتابة في مرحلة مبكرة، وبالضبط أواخر السبعينيات، لماذا هذا التوجه؟

ج: عالم الكتابة عالم فسيح له طقوسه ونواميسه الخاصة. شخصيًا وجدت نفسي أكتب تحت تأثير ظروف صعبة ناتجة عن فترة المراهقة، فكانت الكتابة وسيلة للتنفيس عن الذات وتجاوز الإحباطات، والسمو بالنفس عن الغرائز. كما أن الوضع السياسي والاجتماعي في السبعينيات كان له أثر كبير في دفع الشباب نحو الكتابة للتعبير عن طموحاتهم ورغبتهم في التغيير والانعتاق من الصمت.

س: كانت البداية مع القصة القصيرة، وربما أول ما خطته أناملك قصة “التيرسي”، قبل أن تنتقل إلى أجناس أخرى من الإبداع. كيف عشت هذا التحول؟

ج: فعلاً، قصة التيرسي كانت أول نص سردي نشر لي سنة 1978 بجريدة المحرر. لكن بدايتي الحقيقية كانت مع الخاطرة، باعتبارها وسيلة لتصريف المشاعر المضطربة. أول نص نشرته كان في نوفمبر 1976 بجريدة المسيرة الخضراء، وكان عبارة عن خاطرة بمناسبة
الذكرى الأولى للمسيرة.

بدأت كتابة الشعر بشكل عفوي، ثم درست قواعده لاحقًا. التحول نحو القصة جاء من إحساسي بأنها تمنحني مساحة أوسع للتعبير عن الواقع، وتمرير خطاب نقدي عبر شخصيات النص.

س: حدثنا عن أهم أعمالك التي أغنيت بها الخزانة الأدبية الوطنية؟

ج: أهم إصداراتي الفردية والجماعية هي: ديوان سيدة الياسمين (دار الوطن، 2014) لحظة شرود (مجموعة قصصية، 2013) حتى يزول الصداع (أضمومة قصصية، 2011) شرفات (خواطر، 2012) خلف السراب (مجموعة سردية، 2017) نصوص مسرحية ضمن إصدار جماعي لوزارة التربية الوطنية (1992 و1995) وسيصدر لي قريبًا، الحقيقة الضائعة (قصص قصيرة جدًا) وبين الأرض والسماء (قصص قصيرة).

س: أين تكمن أوجه الاختلاف بين هذه الإصدارات؟

ج: رغم تنوع الأجناس الأدبية، فهي تتوحد في الأسلوب وطريقة التناول، حيث يحضر الهمّ الإنساني والاجتماعي بقوة، في محاولة لفهم الحياة والتكيف مع متغيراتها. لا أرى اختلافًا جوهريًا بينها، بل تكاملاً في الرؤية والطرح.

س: هل شخصيات وأحداث مؤلفاتك مستمدة من الواقع؟

ج: نعم، الكثير من الأحداث والشخصيات مستوحاة من الواقع، خصوصًا في القصة القصيرة جدًا، لكنني لا أتناول الواقع بشكل حرفي، بل أعالجه بمنظور فني وجمالي ينسجم مع الذوق العام.

س: هل هناك كتّاب وأدباء تأثرت بهم؟ وأين يظهر أثرهم في أعمالك؟

ج: تأثرت بالعديد من الكتاب العرب والأجانب، منهم: حنا مينه، نجيب محفوظ، عبد الرحمن منيف، كولن ولسون، اللورد بيرون، بودلير، المتنبي، نزار قباني، محمود درويش… ومن المغاربة: محمد زفزاف، محمد شكري، عبد الله راجع، محمد غرناط، وغيرهم.
قراءة نصوص هؤلاء منحتني الوعي بأهمية الأسلوب وتطوير الأدوات التعبيرية.

س: كنت من الجيل الذي عاش حقبة الملاحق الثقافية بالصحف الوطنية والمجلات العربية، كيف تتذكر تلك المرحلة؟

ج: كانت مرحلة ذهبية للثقافة المغربية. عاصرنا ملاحق مثل المحرر، العلم، البيان، أنوال، ومجلات مثل الكرمل والآداب اللبنانية. أتاحت لنا هذه المنابر فرصة الاحتكاك بأقلام رائدة، كما ساهمت في تطوير الحس النقدي عبر ترجمات مقالات نقدية غربية مهمة.

س: هذا يجرنا إلى الحديث عن برنامج “مع ناشئة الأدب”، ماذا
يمثل لك؟

ج: كان من البرامج الإذاعية المميزة التي قدمت الإبداع الشبابي. أشرف عليه الشاعر وجيه فهمي صلاح بعد إدريس الجاي. كان البرنامج مدرسة حقيقية ساعدتني كثيرًا، بل خصص لي حلقة كاملة لتقديم مسرحية من فصل واحد كتبتها.

س: إلى جانب الأدب، خضت تجربة الكتابة الساخرة في الثمانينيات، كيف كانت هذه التجربة؟

ج: كانت تجربة فريدة مع جريدة أخبار السوق التي أسسها محمد الفيلالي وأدارها حميد بوهالي. كتبت فيها بالعربية والدارجة، بأسلوب ساخر وجرئ. وبعد أحداث 1981 تم حظر الجريدة، فصدرت التقشاب كامتداد لها، وشاركت فيها أيضًا. كانت تلك المرحلة من أجمل محطات حياتي الصحفية.

س: هل لديك طقوس معينة أثناء الكتابة؟

ج: نعم، كثيرًا ما تهاجمني الأفكار قبل النوم، فأكتبها في مذكرتي الخاصة. عادةً أكتب تحت تأثير مشهد طبيعي أو إحساس داخلي قوي. الكتابة بالنسبة لي انفجار وجداني لا يهدأ إلا حين يتحول إلى كلمات.

س: من أين تستمد القدرة على مواصلة الكتابة رغم ضعف الإقبال على القراءة؟

ج: الكتابة بالنسبة لي وسيلة للتعبير عن الذات ومواجهة الواقع، وليست مجرد غاية. رغم تراجع القراءة، أرى أن دور المبدع هو الاستمرار في زرع الجمال ومقاومة القبح، والبحث عن القارئ بدل انتظاره.

س: كيف ترى الكتابة الأدبية في ظل الثورة الرقمية؟

ج: الثورة الرقمية أحدثت تغييرات كبيرة، بعضها إيجابي، كاتساع فرص النشر والتواصل بين المبدعين، وبعضها سلبي ككثرة النصوص الرديئة والسرقات الأدبية. لكنها في المجمل ساهمت في نشر الأدب وإيصاله إلى جمهور أوسع.

س: كيف تتعامل أنت شخصيًا مع هذا الواقع؟

ج: أتعامل معه بحذر، لكنني نشرت في عدة منتديات ومواقع ثقافية، كما أشارك عبر فيسبوك وتويتر. أؤمن بأن على المبدع تجنب الجدل العقيم، والتركيز على القيمة الأدبية لما يقدمه.

س: أين تجد ذاتك أكثر، في الشعر أم في القصة؟

ج: أجد نفسي في كليهما. الشعر انفعال وجمال موسيقي، أما السرد فترجمة للواقع الإنساني. بينهما تداخل لغوي وشعوري يجعلني أتنقل بسلاسة بين الحقلين دون مفاضلة.

س: كيف ترى المشهد الثقافي اليوم، وخصوصًا في مدينة خريبكة؟

ج: المشهد الثقافي يعرف تراجعًا عامًا، رغم المبادرات المتفرقة. في خريبكة هناك جمعيات نشيطة مثل منتدى الآفاق، أجيال المستقبل، بيت المبدع، وفرع اتحاد كتاب المغرب، إضافة إلى المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي. أثمن تفاعل المجلس الجماعي مع الفعاليات الثقافية، وأتمنى مزيدًا من الدعم.

س: بعد كل هذا العطاء، هل تشعر بأنك حققت ما تصبو إليه أدبيًا؟

ج: ما قدمته يبقى متواضعًا لكنه مؤثر بالنسبة لي. ما زلت أتطلع لكتابة رواية تتخذ من خريبكة فضاءً لأحداثها، تستعيد من خلالها ماضي المدينة وإنسانها.

س: كيف تقيّم واقع القصة القصيرة بالمغرب مقارنة مع العالم؟

ج: القصة القصيرة في المغرب تعيش تطورًا ملحوظًا جعلها تحتل مكانة عربية مهمة. بفضل المهرجانات والكتّاب الشباب، تمكنت من بلورة تقنياتها السردية ومواكبة التجريب. ورغم أن هذا الجنس الأدبي وُلد في الغرب، فإن السرد المغربي اليوم في صحة جيدة.

س: ماذا تعني لك خريبكة؟

ج: خريبكة هي مسقط الرأس، ومرتع الطفولة والشباب. رغم إقامتي في الدار البيضاء منذ 2015، فإن ارتباطي بها روحي وعميق. كتبت عنها كثيرًا في دواويني ومجموعاتي القصصية، أبرزها سيدة الياسمين وخلف السراب.

س: لو عاد بك الزمن إلى السبعينيات، هل ستختار نفس الطريق؟

ج: لا أحد يختار حياته، لأن القدر يرسم مسارنا. أعتبر هذا الطريق قدري، وسأختاره مجددًا لو عاد بي الزمن.

س: أماكن وأسماء لا يمكن لذاكرتك نسيانها؟

ج: خريبكة، مسقط الرأس. شارع مولاي يوسف وساحة المجاهدين. مدينتا وادي زم ومراكش. منطقة دكالة، موطن الأصول العائلية.
والدي الحاج مسعود رحمه الله. أخي الشرقي محضار رحمه الله.
والدتي عائشة مرقوم، أطال الله عمرها. زوجتي سعيدة رواج، التي كانت خير سند لي في محنتي المرضية سنتي 2013 و2014.

س: كلمة أخيرة في ختام هذا الحوار؟

ج: في ختام هذا الحوار، أشكر جريدتكم على هذه الفرصة الثمينة للتواصل مع قرائها الكرام، وأخص بالشكر المتميز عبد الله الفادي على اهتمامه.

 تنويه : منذ إجراء هذا الحوار وإلى اليوم، واصل الأديب والشاعر محمد محضار عطاءه الإبداعي بغزارة، حيث توالت إصداراته الأدبية لتضيف إلى مسيرته مزيدًا والتنوع والتميز.

عن خالد الطيب

شاهد أيضاً



Miloud Jadir nommé directeur administratif de l’OCK : Un
nouvel espoir pour les supporters

Farid Barigo « Notre priorité absolue est de réussir le redressement du club et de …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *