خريبكة – صادق المجلس الإداري لمؤسسة مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة المنعقد اليوم الجمعة في دورة استثنائية على تعيين السيد الحبيب المالكي رئيسا جديدا لمؤسسة المهرجان خلفا للراحل نور الدين الصايل.
وخلال هذا الاجتماع تمت الإشادة بالدور البارز الذي لعبه فقيد السينما المغربية الراحل نور الدين الصايل في تكريس مكانة ودور هذا المهرجان سواء خلال سنوات تحمله رئاسته طيلة 12 سنة او خلال فترات تنظيم المهرجان في شكل ملتقى في دوراته الأولى.
كما تم إبراز الدور البارز الذي اضطلع به الراحل في إشعاع وخدمة السينما الإفريقية والثقافة السينمائية كأحد مرتكزات المهرجان منذ تأسيسيه في العام 1977.
وفي كلمة بالمناسبة أعرب السيد الحبيب المالكي، الأستاذ الجامعي ورئيس مجلس النواب، عن فخره بتحمل مسؤولية رئاسة هذه المؤسسة الثقافية الوازنة، “خلفا للراحل نور الدين الصايل، الناقد السينمائي الكبير الذي فقده المغرب الثقافي في ظل زحف جائحة كورونا القاتلة .. والذي بصم الحقل السينمائي في المغرب بتفكيره وخطابه النقدي والنظري، بمبادراته الوطنية والكونية، بجرأته الجمالية والفلسفية والتعبيرية، وبكل روحه وكيانه وأفقه الإنساني الرحب”.
وأضاف السيد المالكي لذا، إذا تأملنا – بعمق وبهدوء – جذور الفكرة السينمائية الإفريقية واستنباتَها في خريبكة، المدينة والإقليم، سنجد أنها تشبه نور الدين الصايل. ومعنى ذلك، أن علينا جميعا، كل من موقعه، أن نصون الفكرة والإرث، والرصيد والقيمة المضافة، والرأسمال الرمزي الثقافي والحضاري الذي تركه نور الدين الصايل للحركة الثقافية المغربية، ولنا جميعا.
وأكد أن السياق الراهن، السياسي والثقافي والاجتماعي، لا يمكنه إلا أن يعطي لفكرة المهرجان وللمهرجان ذاته وظائف جديدة من المنتظر أن ينهض بها، خصوصا بعد قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بعودة بلادنا إلى الاتحاد الإفريقي ؛ هذه العودة التي أرادها جلالة الملك قوية بالأفكار، بالمبادرات، بالمقترحات، بالمشاريع، وبالتوجهات الجريئة التي تقتحم الفضاء الإفريقي، وتعيد مد الجسور وتجديد العلاقات، وبناء صداقات مثمرة في الثقافة والفكر والاقتصاد بل وفي مختلف الآفاق الاستراتيجية والجيوسياسية والإنسانية.
واعتبر السيد المالكي من جهة أخرى أن المكانة الحضارية والثقافية والإبداعية، والسينمائية بالخصوص للقارة الإفريقية تظل دائما في حاجة إلى مثل هذا المهرجان، وفي حاجة إلى جميع المبادرات الثقافية الكبرى في كل مجالات التعبير الفني، فالقارة الأفريقية قارة لِلمُتَخَيَّل (L’imaginaire) بامتياز، المُتَخَيَّل الفنّي والأدبي والفكري والفلسفي والجَمَالي.
وأشار الى أنه رغم الإجحاف وعدم الاعتبار الغَرْبي أحيانا، فقد حازت إفريقيا عدة جوائز عالمية بما فيها جوائز نوبل في الآداب، وجوائز نوبل للسلام، وجوائز عالمية في السينما وفي الفنون أيضا. كما تتوفر القارة على رصيد من كبار الشخصيات الإِنسانية التي لها مكانة دولية وصِيت كوني في مختلف الحقول العلمية، مما نستحضره باعتزاز.
وفي هذا السياق، استحضر السيد المالكي المكانة الاستراتيجية والاقتصادية للقارة الأفريقية راهنًا وفي المستقبل المنظور، كما تؤكد أهمّ الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، مضيفا أن بُعْدَ النظر لدى صاحب الجلالة حفظه الله مَهَّدَ لعودة المغرب سِياسيًّا إلى المُنْتَظَم الأفريقي بخطوات وقرارات اقتصادية جريئة جدًّا جعلت من المملكة المغربية اليوم ثاني أكبر مستثمر في القارة. وبالتالي، علينا أن نُضَاعِف جهودنا بالعودة إِلى الفضاء الأفريقي بالمزيد من الحضور الاقتصادي والسياسي والثقافي والرياضي …. وغيره.
وأعرب عن عزمه صون هذه الذاكرة الخِصبة، وهذه الفكرة الحية التي استنبتها نور الدين الصايل في سنة 1977 عندما كان رئيسا للجامعة الوطنية للأندية السينمائية في المغرب التي أسسها سنة 1973، وظل يتحمل مسؤولية رئاستها إلى سنة 1983.
وأضاف السيد المالكي أن هذه الفكرة كانت رائدة بامتياز، فها هو مهرجان السينما الأفريقية في خريبݣة أصبح من أهم وأقدم المهرجانات السينمائية في القارة الأفريقية، التي تهتم بالسينما الأفريقية تحديدا، شأن مهرجان فيسباكو في واغادوغو ببوركينا فاسو، ومهرجان مدينة الأُقْصُر في مصر على سبيل المثال، علاوة على كونه أول وأقدم مهرجان سينمائي تم تأسيسه في المغرب. ولذلك قيمة أساسية في تاريخنا الثقافي الوطني.
وأشار السيد المالكي الى أن هذا المهرجان انطلق في بداياته كمهرجان سينمائي مرة كل سنتين قبل أَن يصبح مهرجانًا سنويا، ليشكل موعدًا أساسيًّا في أجندة السينمائيين الأفارقة والمهتمين بصناعة السينما في القارة الافريقية.
وقال “بدأ المهرجان صغيرًا، لكن بفكرةٍ كبيرة، وعَانَى في بداياته من ضعف ومحدودية الإمكانيات المادية نظرًا للمنظور السائد آنذاك إلى الجامعة الوطنية للأندية السينمائية باعتبارها إحدى الجمعيات الثقافية التقدمية والديمقراطية بما يعنيه ذلك من رمزية ودلالات مخصوصة في تلك المراحل التأسيسية”، مضيفا تأسست بعد ذلك (جمعية مهرجان السينما الأفريقية في خريبݣة) قبل أن تتحولَ في وقت لاحق إلى (مؤسسة خاصة بالمهرجان). وكَبُر المهرجان من دورة إلى أخرى، ووفَّر له المرحوم نور الدين إمكانيات وامتدادات إضافية، خصوصًا بعد أن أصبح يتحمل مسؤولية إِدارة المركز السينمائي المغربي.
واستحضر السيد المالكي سنوات الستينات من القرن الماضي وكيف كان إبانها من الشغوفين بالثقافة السينمائية، وبمتابعة وقراءة المجلات السينمائية الفرنسية. وقال “بل وكان طموحي في مرحلة من مراحل تكويني أن أتابع دراساتي العليا في السينما، وكان هناك حُلْم يداعبني في بداياتي الأولى بأن أصبح ذات يوم مخرجا سينمائيا !”.
وأشار من جهة أخرى الى أن نور الدين الصايل ظل دائما صادقاً في اختياراته، منتصراً لقيم التحديث والدّمقرطة والعقلانية والتنوير، حريصا على زرع أُسُس الثقافة السينمائية في التربة المغربية بما هي ثقافة تؤسس للمستقبل، وتُوسِعُ المتخيَّل، وتجدد البنيات الذهنية والسوسيوثقافية في المغرب المعاصر.
وأضاف لقد كان نور الدين الصايل رحمه الله مثقفا مغربيا أصيلا وعميقا وملتزما بأخلاق المثقفين الكبار. ولم يكن ذلك غريبا على أحد قدماء تلاميذ ثانوية مولاي يوسف في الرباط التي كانت مدرسة للوطنية المغربية منذ تأسيسها، ولا على الطالب الـمُجِدّ الذكي في شعبة الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع بكلية الآداب بالرباط، وأحد الطلبة النابهين الذين ظل يذكرهم أستاذهم في علم النفس الاجتماعي، الأستاذ عبد الواحد الراضي، كلما تحدث عن ذاكرته كأستاذ جامعي : نور الدين الصايل، الطاهر بنجلون، أحمد حرزني، حسن بنعدّي، عبد الحي الديوري،ادريس المنصوري … وآخرين.
وأوضح السيد المالكي أن وظائف ورهانات المهرجان اليوم، ومهام مؤسسة المهرجان أصبحت كبيرةً وجسيمة، ولابد من تضافُر كُلِّ الجهود الرَّسْمية والشعبية للمُضيِّ قُدُمًا في هذا التحدي الثقافي والرمزي والفني الكبير، مبرزا أن الحقل السينمائي الوطني في المغرب في حاجة حقيقية إلى مهرجانات متعددة لتعميق وإِشاعَةِ الوعي السينمائي. وبالتالي، فكل مهرجان يُنَظَّم في المغرب سواء كان يهتم بالسينما العالمية أو بالسينما العربية أو بالسينما الأفريقية أو بالسينما المتوسطية أو بِسينِما المُؤَلِّف أو سينما الهجرة أو بالفيلم الوثائقي أو بالفيلم التربوي أو غير ذلك يتكامل بالضرورة مع آفاق السينما الوطنية ويدعم صناعتنا السينمائية المغربية بالتأكيد.
وأعرب في الختام عن سروره بتحمل هذه المسؤولية الوطنية الجسيمة مؤكدا حرصه على الانفتاح على كافة الكفاءات الوطنية في المغرب وخارجه، فضلًا عن الفعاليات من القارة الأفريقية ومن خارجها، وأيضا الانفتاح على الكفاءات الخيِّرة في إقليم خريبݣة والجهة ككل.